أثارت رواية “راقصة داعش” للروائية والصحفيّة اللبنانيّة أسماء وهبة لغطاً كبيراً بعد حفل توقيعها، كونها الأولى من نوعها التي تتطرّق الى داعش أو ما يعرف بتنظيم الدولة الاسلامية من منحى أدبيّ واجتماعيّ، الأمر الذي استوقف القرّاء، فتصدرّت الرواية المبيعات في المكتبات بعد شهر من إطلاقها.
في لقائها مع صحيفة “إيلاف” الالكترونية تتحدث أسماء وهبة عن “راقصة داعش”، الرواية التي تكشف خبايا الحياة في الرقّة، وتجنيد داعش للمقاتلين، وإستدراج النساء، وتناقش ما إذا كانت الكتابة عن داعش أمر محفوف بالمخاطر أم مغامرة تستحق العناء!
- في البداية، ألم تتلق أيّة تهديدات من داعش أو مؤيّديها بعد اطلاق روايتك “راقصة داعش”؟
الحمد الله.. لم أتلقّ حتى الآن أيّ تهديد. رغم أن هذا الأمر متوقّع. وأتذكّر هنا إحجام احدى صديقاتي من الوجوه المعروفة عن نشر مباركة لي على الرواية عبر صفحتها في وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن رأت غلاف الرواية، ثم قالت لي بالحرف الواحد: “إذا نشرت هذا الغلاف سيفجّرون لي صفحاتي على إنستغرام، وفايسبوك، وتويتر، وسيسرقون حسابي وحسابك لأنّ العنوان جريء. وتستطيعين نشر هذا الغلاف فقط اذا كان معك عشرة حرّاس ليلاً نهاراً، وبيتك في رأس الجبل، وبشرط أن تضع لك القوى الأمنيّة اللبنانيّة عشرات الدبّابات والعناصر أمنية حول بيتك. الغلاف خطير ومخيف وسيثير غضب داعش بالاضافة الى أنّ العنوان بحدّ ذاته سيزلزلهم وسيعتبرونه اهانة وطعنة لهم”! ليس ذلك فقط، بل أتذكّر أن أحد أصدقائي في حفل توقيع الرواية مازحني قائلا: “بتصوّر معك بلا الكتابّ”. يعكس هذا الأمر بطريقة أو بأخرى حجم الخوف الذي زرعه سلوك داعش الاجراميّ، وغير المسبوق في عقول وقلوب الناس. نحن أمام حالة دمويّة تفيض بالرعب دون أن تجد أمامها قوة اجتماعيّة قادرة على التصدّي لها بشكل جدّي، وحقيقيّ، وملموس. هذا أحد أسباب إقدامي على كتابة هذه الرواية.
- هل تقصّدتي إختيار هذا العنوان المثير طمعاً في تحقيق أرباح عاليّة من مبيعات الرواية؟
بطبيعة الحال العنوان جزء من العملية التسويقيّة للكتاب. ويجب أن يكون مثيراً حتى يجذب القارىء، وسط كثافة الاصدارات الأدبية. كما أنّ الكتابة عن داعش بحدّ ذاتها تجذب القارىء تلقائيا الى الكتاب، لرغبته في اكتشاف هذا الكيان المرعب، الذي ظهر فجأة مهدّداً، وعاصفاً، ومستهدفاّ لأمنه في سوريا والعراق وغيرها من دول المنطقة. أيضا يعكس عنوان الرواية محتواها، كونها مستوحاة من قصة حقيقية، لفتاة سورية ارتبطت بقصّة حبّ مع أحد مقاتلي داعش. ومن هذه الحكاية انطلقت روايتي لترسم خطّين دراميين: يتعلق الأوّل بالبطلة “بتول” التي أجبرت على ترك بلدتها منبج في سوريا قبل أن تجتاحها داعش لتعيش حياة اللجوء في عرسال. وفي هذه البلدة الحدوديّة اللبنانيّة نرى سيطرة مطلقة لداعش على الناس وقصص تكشف انضمام الناس اليها طوعاً أو كرها ودخول المسلحين والأسلحة وخروجهم منها قبل إحكام الجيش اللبناني سيطرته عليها. في مقابل ذلك نرى بطل الرواية “عمر” الذي قرر في لحظة غضب بعد وفاة والدته الانضمام الى داعش، مروراً بحكايات مقاتلين أعلنوا ولائهم الى الدولة بحرق جوازات سفرهم، وتطبيق داعش لما يعرف بـ “الحدود الاسلامية” في الرقّة، وكيف تستقطب المقاتلين حول العالم، وصولا الى اثبات “عمر” ولاءه للدولة الاسلامية بذبح أحد الصحفيين وقتل ضابط في الجيش السوري بإغراقه حياً. باختصار تحكي الرواية حكايات اللاجئين السوريين على طرق الاشتياق الى وطنهم بين بلدة عرسال اللبنانية وتركيا والرقّة الممهورة بالدم والدموع.
- ما بين الجرأة والخوف أخبرينا عن دخولك إلى عالم داعش.
تحمل الكتابة الاستقصائية سواء الصحفية أو الأدبية الكثير من حسّ الجرأة والمغامرة. لم أتقصّد أبدا كتابة رواية عن داعش، بل جاء الأمر بعد قيامي بعدد من التحقيقات الاستقصائية عن اللاجئين السوريين، الذين علقوا على الحدود اللبنانية السوريّة بعد انتهاء حرب عرسال وقبل عودتهم الى سوريا، حيث التقيت عند نقطة “المصنع” الحدوديّة بين لبنان وسوريا بمجموعة غارقة في أوضاع مزرية، ومن هؤلاء بطلة روايتي “بتول”، التي حاول حبيبها “عمر” أو المقاتل الداعشي اقناعها بالالتحاق به في مدينة الرقّة. كانت حكايتها اكثر من مغرية للكتابة، ومنها انطلقت للبحث في عمق الحكاية الداعشية، رغم تحذيرات الكثيرين حفاظاً على سلامتي، الا أن الكاتب عموما لا يأبه بهذا كله، كونه يكون تحت تأثير سحر الحكاية، والكتابة السردية ببعدها الانساني، كما أنني أستطيع الادعاء بأن روايتي “راقصة داعش” هي الاولى في العالم التي تتطرق الى عالم داعش انطلاقاً من بعد اجتماعي انساني أدبي لأن كل الكتب الصادرة عن داعش تتحدّث عنها بشكل تنظيري سياسيّ دون أيّ غوص في الأثر الاجتماعيّ الذي أحدثته في الناس الذين أجبروا على العيش بين مقاتليها أو هربوا من نيرانها الدموية!
- ما هي الرسالة التي تريدين ايصالها من خلال روايتك “راقصة داعش”؟
لست ممّن يؤمنون بقدرة الأدب على إحداث تغييرات كبرى. يحقّق الكاتب نجاحاً كبيراً عندما يستطيع كتابه أن يغيّر طريقة تفكير شخص ما ازاء قضية معيّنة دون بهرجة أو احتفال أو تصفيق. لقد غيّرتني بعض نصوص أحلام مستغانمي، ود. ابراهيم الفقي، وغازي القصيبي دون أن يعرف أيّ من هؤلاء. لكنّي أدّعي ككقارئة، وانسانة أن هذا أقصى طموح كلّ منهم. وهذا ما يبقى في رصيدهم لا بل يكفل لهم الخلود! يكفيني أن يقرأ أحدهم روايتي “راقصة داعش” فيشعر بالصدمة ازاء نقل “المهاجرات” الأجنبيات تحت حراسة مشدّدة من مقاتلي داعش، اللواتي يوضعن في معسكرات خاصة قبل دخولهن الى الرقة. ربما يذرف القارىء دمعة عندما يقرأ حكاية السبية السورية التي اشتراها “عمر” ثم اغتصبها في منزله أسوة بما يفعله زملاءه في التنظيم، لا بل تنتظر أن يعيد اغتصابها ليلة بعد أخرى على أمل أن يعيدها ذات يوم الى عائلتها! أتذكّر هنا تعليق أرسله أحد القراء على صفحتي في الفايسبوك قائلا: “شعرت بمرارة الفقدان والخسارة عندما انهارت “بتول” حينما شاهدت العلم اللبناني في مدخل مدينة عرسال فاجتاحها احساس مجنون بالغدر واليأس والاهانة. تذكرت نفسي عندما أجبرت على ترك منزلي في الجنوب لأتحوّل رغما عني الى لاجىء يدور بين الملاجىء والأحياء”!
- في الختام، من هي راقصة داعش؟
كلّ قرّاء هذه الرواية. كل من يعيش على خطوط نيران الدواعش. جميعنا نرقص على نار داعش. الرواية خليط للعديد من القصص الواقعية. استمعت الى حكايات لاجئين اختبؤوا في مقرّات داعش، وأخبروني عمّا لقوه من الدواعش، وكيف استقبلهم في المقابل جنود النظام السوري. كيف أحرق المقاتلون جوازات سفرهم أمام الكاميرا لقطع علاقتهم بأوطانهم من أجل فكرة جهنميّة دمويّة تسعى في النهاية الى إحراق الأخضر واليابس في سوريا والعراق. ربما تكون راقصة داعش هي احدى النسوة في الفرقة النسائية التي أسّسها التنظيم فتجول بين الطرقات لتعنيف النساء ومراقبتهنّ وفي الوقت عينه تعمل فئة منهنّ على استقبال “المهاجرات” الأجنبيات وتزويجهنّ الى المقاتلين. كل قارىء لهذه الرواية قد يكون راقص محتمل لنار الإرهاب التي تعصف بنا لكن رغم هذا الواقع الأليم أردت لروايتي أن تنتهي بأمل كبير للغاية لإيماني بأن في نهاية النفق المظلم صباح جميل!
المصدر: إيلاف