الرجال أقل سعادة من النساء !

تشير الإحصاءات إلى أن الرجال في المتوسط أقل سعادة من النساء، كما أن الرجال يموتون انتحارا بنسبة أكثر من ثلاثة أضعاف النساء الذين ينهون حياتهم بأيديهم.

 

تفتح هذه الإشارات الباب للتساؤل عن السبب في كون الرجال يشعرون بالسعادة بنسبة أقل من النساء، وهل الاختلافات البيولوجية تلعب دورا في هذا أم أن السبب اجتماعي في الأساس.

 

ويقول استشاري الطب النفسي الدكتور ألبيرتو بيرتوسا لجريدة تليجراف البريطانية إن الاختلافات البيولوجية الصغيرة بين الرجل والمرأة، خصوصا في تركيب المخ، ربما توضح السبب وراء الفوارق في سلوكهما، ومن بينها كيفية شعورهما بالسعادة.

 




الرجال والنساء لهم نفس القدرة على التقمص العاطفي والتعرف على مشاعرهم ومشاعر الآخرين، ولكن يبدو أن الرجال أقدر على «كبت» مشاعرهم بطريقة أسهل من النساء.

ويضيف بيرتوسا أن هذا الاختلاف ربما يكون أسباب تطورية، إذ إن الرجال في العصور القديمة كان عليهم أن يتغلبوا على الخوف والمشاعر السلبية عند الصيد أوالقتال.

 

الاختلاف في طريقة عمل الهرمونات الخاصة بكل جنس تؤثر أيضا على الدوائر العصبية، وربما يكون لذلك دور في الفارق في الشعور بالسعادة.

 

وفي نفس الإطار، يضيف دكتور علم الأعصاب بروس ماكوين أن الهرمونات الجنسية تلعب دورا فاعلا في الطريقة التي يتكيف بها كل من الرجل والمرأة مع المشاعر.

 

فعلى سبيل المثال، هرمون الإستراديول الأنثوي يستخدم في المخ عند الشعور بالقلق لزيادة عدد نقاط الاشتباك العصبي. ولأن هذا الهرمون غير موجود عند الرجل، فإن هذه النقاط تنكمش، ونتيجة لهذا تميل النساء إلى التعامل مع التوتر والقلق عبر التفكير الزائد وربما الاكتئاب، بينما يصعب على الرجال التعامل مع الألم النفسي وبالتالي يلجأون إلى تعاطي المخدرات والعنف والسلوك المعادي للمجتمع.

 

ويؤكد بيرتوسا أنه على الرغم من أن الحزن يبدو جليا عن الرجال، فلا يعني ذلك بالضرورة أن الرجال أقل سعادة من النساء، إذا نظرنا إلى المعنى العميق للسعادة.

 

ويقر بيرتوسا أن عدد الوفيات نتيجة الانتحار قد تكون أعلى لدى الرجال، ولكن هناك أسباب أخرى قد وراء ذلك غير أنهم أقل سعادة.

 

ويوافق الدكتور مايكل كريج، من كلية علم النفس والأعصاب بلندن، على أنه من الخطأ النظر إلى طريقة عمل المخ باعتبارها سببا وراء فجوة السعادة بين الرجل والمرأة.

 

الرجال أكثر عرضة لمشاكل النمو العصبي، كالتوحد والإدمان، بينما النساء أكثر ميلا للإصابة بالاضطرابات العاطفية، مثل الزهايمر والاكتئاب، وفقا للأبحاث التي أجرها كريج. ولكن من الناحية الاجتماعية، يميل النساء إلى البوح بهذه الأعراض أكثر من الرجال الذين يميلون إلى الكتمان، ويلجأون إلى المخدرات والإدمان، الأمر الذي يؤدي إلى استفحال المشكلة.

 

وعند هذه النقطة، يجدر بنا التفكير في الفروق الاجتماعية بين الجنسين ومدى وتأثيرها على شعورهما بالسعادة.

 

يقول الخبير النفسي لي بارنيس إن الحزن لدى الرجال يسببه أساسا التوقعات الاجتماعية والثقافية والمسؤوليات الملقاة على عاتق كل منهما. فبرغم أن الرجل والمرأة قد يشعران بنفس القدر من الضغوط والتعب النفسي، فإن المرأة تلجأ عادة إلى شخص آخر تلقي عليه هذه الهموم، بينما الرجل عليه أن يتعامل مع همومه بـ”رجولة”.

 

عندما تجلس مع رجل وتكتشف مخاوفه ونقاط ضعفه، تدرك في الحال كم هو رقيق، ويضيف بارنيس أن 40 بالمائة من عملائه هم رجال، ومعظهم يعاني من الشعور بالوحدة والانعزال، سواء عن الزوجة أو الأصدقاء أو المجتمع ككل.

 

ويعتقد بارنيس أن كثيرا من الرجال يلجأون إلى الانتحار بسبب تلك العزلة الاجتماعية.

 

وفقا للإحصاءات، يموت حوالي 16,8 رجلا (من بين كل 100 ألف) بسبب الانتحار، بينما النسبة عند النساء لا تتخطى 5,2. ولكن يوضح الدكتور كريج أن النساء يحاولن الانتحار بنسبة تصل إلى 3 أو 4 أضعاف أكثر من الرجال.

 

وربما يرجع السبب في ذلك إلى الوسائل التي يتخذها كل منهم في التخلص من الحياة. فالرجال أكثر عنفا، ولذلك يعتمدون طرقا عنيفة عند الانتحار، مثل القفز من أعلى مبني أو أمام القطار، بينما يفضل النساء الانتحار عبر الجرعات المفرطة من الأدوية أو وسائل أخرى أقل حدة، يكون احتمال غوث المنتحر فيها أكبر.

 

 

وعلى الرغم من أن إحصاءات الانتحار ربما تحمل مبالغة في التفريق بين الرجل والمرأة، فهناك جزء من الحقيقة تبرزه هذه الأرقام وهو أن هناك قواعد ومسؤوليات اجتماعية واضحة تجبر الرجال على كبح وكبت أو تجاهل مشاعرهم المركبة بطريقة غير صحية تماما.

 

ولذلك، هل هناك سبب جوهري وراء كون الرجال أقل سعادة من النساء؟

 

يشير الدكتور بيرتوسا إلى أن النقاش حول (الطبع مقابل التطبع) نقاش مثير وطويل الأمد، والعلم بدأ مؤخرا في فهم التفاعل بين الطبيعة البيولوجية للشخص والبيئة التي ينشأ فيها، بما فيها طرق التنشئة والعوامل الاجتماعية وكثير من المؤثرات الخارجية.

 

هذه التأثيرات معقدة للغاية وتختلف من شخص لآخر، وبالرغم من أهميتها في تحديد طريقة تفاعل الرجل والمرأة مع المشاعر والتكيف مع الاكتئاب، فإن العوامل الفردية هي الأهم.

 

وفقا لبيرتوسا، الاختلافات الفردية بين الأشخاص هي التي تؤثر على مدى سعادتهم، بغض النظر عن نوع الجنس، وإن كان لنوع الجنس دور فليس هو الدور الأكبر.